الاثنين، 27 أبريل 2015

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

مدينة حمد - محمد الجدحفصي 

تملأ الثياب ذلك الزقاق الضيق الذي يؤدي إلى تلك الحجرة التي يقطن فيها المواطن جعفر الخابوري مع أفراد أسرته منذ عشرين عاماً، حيث لايزال الخابوري يحلم بالحصول على وحدة سكنية حتى الآن.
وقال الخابوري «فيما يبدو أن وزارة الإسكان وقفت عاجزة ومازالت متحيرة عن توفير وحدة سكنية لي ولأفراد أسرتي، الذين كبروا وأصبحت أقف خجلاً أمام تساؤلاتهم عن موعد حصولنا على وحدة سكنية، لست أطلب إلا مثل غيري وكفاني، فهل الجهات المختصة تعجز عن تلبية احتياجات ومطالب مواطنيها».
ولا يقتصر الأمر على تكدس أفراد أسرة الخابوري في غرفة واحدة جدرانها متصدعة وقابلة للتهاوي في أية لحظة، بل تقول والدة الخابوري «كثيراً ما يلجأ ابني جعفر للنوم والراحة في كراج المنزل الذي قمت بصرف مستحقات التقاعد حتى أقوم بتجهيزه بأبسط الاشياء، فهل يتصور أحد من المسئولين الحال الذي وصلنا إليه؟».
ويقترب الخابوري بتوجس مشيراً بيده إلى جدران الغرفة التي يقطن فيها مع أفراد أسرته وقد بدت بالتهاوي، قائلاً: «أنام هنا بداخل هذه الغرفة مع أفراد أسرتي ولا أعلم هل سوف أصحو مجدداً أم أن هذه الجدران ستتهاوى علينا في أية لحظة».
وأضاف «من الواضح على المسئولين بوزارة الإسكان الاهتمام مع شكاوى المواطنين ولهذا أنا أدعوهم شخصياً لزيارة منزلنا ورؤية الواقع على ما هو عليه، لاتزال بحوزتي بطاقة المراجعة منذ العام 1995 ومازلت أتملك الكثير من المستندات التي تثبت أنني مستحق لنيل وحدة سكنية بعد 20 عاماً من الانتظار».
وتوافقه في ذلك والدته وتقول «إلى جانب تكدس ابني جعفر وأبنائه في تلك الغرفة الضيقة، لديّ عدد آخر من الأبناء ومازالوا أيضاً يقطنون مع زوجاتهم وأولادهم في غرف ضيقة بالمنزل، فأي سوء أكثر من ذلك الأمر، وعلى رغم انعدام الأمل بالجهات المختصة ـ إلا أن الأمل بالله مازال موجودا».
وختم الخابوري حديثه قائلاً: «تراكم الطلبات الإسكانية لن يخلق سوى مناخ أكثر فوضى، ربما أنا شخص واحد هنا أقطن مع أفراد أسرتي في غرفة واحدة، لكنه قد يوجد مئات الأشخاص مثل حالتي وربما أسوأ، لهذا فإن الحل لابد أن يكون شاملا وجذريا، وأكرر انني أدعو أي مسئول بوزارة الإسكان الى زيارة المنزل ورؤية وضعنا عن كثب».
جعفر الخابوري ينتظر حلم الإسكان لتحسين مستوى حياة أسرته
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4233 - الخميس 10 أبريل 2014م الموافق 10 جمادى الآخرة 1435هـ

الجمعة، 10 أبريل 2015

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

عشرون عاماً ومازالت عائلة الخابوري تحلم بـ «منزل الإسكان»

مدينة حمد - محمد الجدحفصي 

تملأ الثياب ذلك الزقاق الضيق الذي يؤدي إلى تلك الحجرة التي يقطن فيها المواطن جعفر الخابوري مع أفراد أسرته منذ عشرين عاماً، حيث لايزال الخابوري يحلم بالحصول على وحدة سكنية حتى الآن.
وقال الخابوري «فيما يبدو أن وزارة الإسكان وقفت عاجزة ومازالت متحيرة عن توفير وحدة سكنية لي ولأفراد أسرتي، الذين كبروا وأصبحت أقف خجلاً أمام تساؤلاتهم عن موعد حصولنا على وحدة سكنية، لست أطلب إلا مثل غيري وكفاني، فهل الجهات المختصة تعجز عن تلبية احتياجات ومطالب مواطنيها».
ولا يقتصر الأمر على تكدس أفراد أسرة الخابوري في غرفة واحدة جدرانها متصدعة وقابلة للتهاوي في أية لحظة، بل تقول والدة الخابوري «كثيراً ما يلجأ ابني جعفر للنوم والراحة في كراج المنزل الذي قمت بصرف مستحقات التقاعد حتى أقوم بتجهيزه بأبسط الاشياء، فهل يتصور أحد من المسئولين الحال الذي وصلنا إليه؟».
ويقترب الخابوري بتوجس مشيراً بيده إلى جدران الغرفة التي يقطن فيها مع أفراد أسرته وقد بدت بالتهاوي، قائلاً: «أنام هنا بداخل هذه الغرفة مع أفراد أسرتي ولا أعلم هل سوف أصحو مجدداً أم أن هذه الجدران ستتهاوى علينا في أية لحظة».
وأضاف «من الواضح على المسئولين بوزارة الإسكان الاهتمام مع شكاوى المواطنين ولهذا أنا أدعوهم شخصياً لزيارة منزلنا ورؤية الواقع على ما هو عليه، لاتزال بحوزتي بطاقة المراجعة منذ العام 1995 ومازلت أتملك الكثير من المستندات التي تثبت أنني مستحق لنيل وحدة سكنية بعد 20 عاماً من الانتظار».
وتوافقه في ذلك والدته وتقول «إلى جانب تكدس ابني جعفر وأبنائه في تلك الغرفة الضيقة، لديّ عدد آخر من الأبناء ومازالوا أيضاً يقطنون مع زوجاتهم وأولادهم في غرف ضيقة بالمنزل، فأي سوء أكثر من ذلك الأمر، وعلى رغم انعدام الأمل بالجهات المختصة ـ إلا أن الأمل بالله مازال موجودا».
وختم الخابوري حديثه قائلاً: «تراكم الطلبات الإسكانية لن يخلق سوى مناخ أكثر فوضى، ربما أنا شخص واحد هنا أقطن مع أفراد أسرتي في غرفة واحدة، لكنه قد يوجد مئات الأشخاص مثل حالتي وربما أسوأ، لهذا فإن الحل لابد أن يكون شاملا وجذريا، وأكرر انني أدعو أي مسئول بوزارة الإسكان الى زيارة المنزل ورؤية وضعنا عن كثب».
جعفر الخابوري ينتظر حلم الإسكان لتحسين مستوى حياة أسرته
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4233 - الخميس 10 أبريل 2014م الموافق 10 جمادى الآخرة 1435هـ

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

بقلم جعفر الخابوري

عندما يُقال أن الشعوب والأمم بتاريخها، وأنها من دون تاريخ، فهي بلا مستقبل؛ فالمراد، التاريخ المشرق والحافل بالبطولات والمكارم ودروس الحياة وليس الموت، بما يفيد الاجيال اللاحقة في تقدمها وتطورها وبلوغها لحياة أفضل، وإلا هنالك شعوب لها تاريخ حافل بالديكتاتوريات والحروب والدمار مثل الشعوب التي عاشت تحت اسم "الاتحاد السوفيتي"، أو "النازية".
لذا عندما نتحدث عن عن الامام الحسين، عليه السلام، ونهضته وواقعة الطف من الزاوية التاريخية، إنما نبحث عن عوامل البناء والتقدم، بل في تجارب الحياة بشكل عام، وهذا يُعد من المسائل الجوهرية والمحورية في حضارتنا تدعو للفخر والاعتزاز، وفي نفس الوقت تستدعي اجراءات احترازية لحماية هذا الإرث الحضاري العظيم من الضياع او "التضييع"... وهذا ما يذكرنا به سماحة الفقيه الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي – قدس سره- في كتابه "الشعائر الحسينية والتحديات الحضارية".
إن واقعة عاشوراء واستشهاد الامام الحسين، عليه السلام، في نظر البعض تمثل حدثاً تاريخياً لا ينبغي الاكثار في الحديث عنه، إنما الجيد الحديث عن الحاضر والمستقبل! في حين إن المعركة التي انتهت يوم العاشر من المحرم سنة (61) للهجرة، تمثل بداية لمعارك ومواجهات محتدمة وعلى مختلف الصعد بين جبهة الحق وجبهة الباطل طيلة القرون الماضية وحتى اليوم والى يوم القيامة، بمعنى أن التحدي الحضاري اليوم يدعونا قبل أي وقت آخر، الى الحفاظ على الهوية والتاريخ والانتماء، فنحن "نخوض معركة تحدٍ حضاري كبير، وجوهر هذا التحدي ان نحفظ هويتنا وألا نفقدها، فهنالك الآن جهات كثيرة في العالم تحاول ان تجردنا من هويتنا".
هكذا هو التاريخ المشرق لدى الشعوب والأمم المتحضرة والناهضة، كما يعبر عن ذلك سماحة الفقيه الشيرازي، "واليوم عندما نتحرك في الحياة ونقوم ببعض الاعمال، إنما نعتمد في ذلك على مخزون كبير من تاريخنا؛ فهو الذي يوجه حركتنا في الحياة". ولعل هذا هو الذي جعل الشيعة على مر العهود الماضية يتميزون عن سائر المسلمين، بل حتى عن سائر الأمم في العالم في تمسكهم بانتمائهم وايمانهم العميق بمبادئهم وقيمهم الدينية، رغم ما تعرضوا له من حملات إبادة رهيبة وقتل جماعي وحتى إبادة للإرث الفكري والثقافي، فنلاحظ؛ كما النفوس تتجدد بولادة اجيال جديدة، يتجدد الابداع والتحقيق والتأليف والبحث العلمي، فتظهر مكتبات جديدة ومدارس علمية اكبر واضخم مما سبق.
وقد اثار هذا التميّز، أحد المفكرين الغربيين في دراسة له حول الجاليات في الغرب، ومدى مقاومتها أمام حالة الذوبان، فقال: "وجدنا هنالك أمة واحدة تستعصي عليها عمليات التذويب، وتقاوم بقوة، وهم الشيعة... ثم يسأل: كيف حافظ هؤلاء الشيعة على هويتهم وكيانهم وأصالتهم؟ ويجيب: هنالك عاملان: الاول: الامام الحسين، عليه السلام، بنفسه. والعامل الآخر: المرجعية الدينية، التي توجه المجتمع نحو الثقافة الحسينية وإحياء واقعة الطف وإبقائها حيّة في النفوس من خلال الشعائر الحسينية المتعددة الاشكال والانماط.
السؤال هنا: لأي شيء يفيدنا تاريخ النهضة الحسينية؟
من الواضح، أن هذا التاريخ لا يمكن اختزاله في أيام معدودة تحيي الذكرى بطقوس خاصة واستثنائية في غير بلد بالعالم، لاسيما في قلب العالم الشيعي؛ كربلاء المقدسة، وإن كانت الشعائر الحسينية تمثل صورة تاريخية نابضة للواقعة والنهضة بشكل عام، بيد ان في منطق العقل، ان يكون هذا التاريخ في حياتنا اليومية وفي سلوكنا وثقافتنا. لذا نرى أن الفقيه الشيرازي الراحل يسلط الضوء على جانبين اساس في البعد الحضاري للنهضة الحسينية - في كتابه المشار اليه- الاول: الجانب التربوي، والثاني: الجانب الفكري.
ففي الجانب التربوي، يكون التاريخ حيّاً نابضاً، عندما تكون آثاره في نفوس وضمائر الاجيال المتعاقبة، بما يفخرون به ويتخذونه منطلقاً نحو مراقي التقدم والتطور في الحياة؛ وهذا بحاجة الى منهجة الشعائر الحسينية لما يساعد على وصول المفاهيم الانسانية التي ضحى من اجلها الامام الحسين، عليه السلام؛ مثل الحرية والكرامة والمساواة والاصلاح وغيرها. ومع وجود الهيئات والمواكب الحسينية الخاصة بالاطفال هنا، وبالشباب هناك، وايضاً للنساء، ثم تطور الامر لدينا لتكون هنالك مواكب لطلبة الجامعات وهكذا... فالمطلوب توسيع رقعة هذه المواكب والاكثار منها وتطويرها فنياً ومنهجياً بما تحقق الهدف المطلوب.
وفي احاديث ومؤلفات عديدة، يؤكد سماحة الفقيه الراحل على إشراك الاطفال في الشعائر الحسينية، لاسيما المجالس الحسينية في البيوت وفي الحسينيات وألا يكون الطفل بعيداً عن هذه الاجواء، لاسيما وأن ثمة نموذج حيّ يضمه المشهد الحسيني، وهو الطفل الرضيع الصريع، مثلما نستشهد بعلي الاكبر، عليه السلام، في خطابنا للشباب، ولكبار السنّ والكهول، حبيب ابن مظاهر، وهكذا...
أما الجانب الفكري والثقافي، فيتحدث عنه سماحة الفقيه الراحل تحت عنوان: "صناعة العقلية"، بما يؤكد حاجتنا الملحّة في الوقت الحاضر الى قيم النهضة الحسينية في صياغة الفكر والحفاظ على الهوية والانتماء من الانماط الوافدة والافكار التي تتعارض الكثير منها حتى مع الفطرة الانسانية، ويبين سماحته الفرق الكبير بين طفل يشارك في المجالس الحسينية ويستمع الى احاديث عن النبل والكرم والنصيحة والتوبة وغيرها من القيم الانسانية والاخلاقية، وما يصنع ذلك من طريقة خاصة بالتفكير والسلوك، وبين طفل يرى يومياً مشاهد العنف والقسوة، في محيط البيت، ومن خلال الشاشة الصغيرة، حيث تعرض الافلام المتضمنة مشاهد دموية وقتل باشكال بشعة، وما يترك ذلك على ذهنية الطفل.
ومن نافلة القول؛ الاشارة الى ظاهرة انضمام عدد من الاطفال الى الجماعات الارهابية والدموية في الفترة الراهنة، مما أثار استغراب العالم، وكيف أن طفل صغير نشأ في بلد غربي مثل استراليا، ثم يأتي الى سوريا ليلتقط أبوه صورة تذكارية وهو يحمل رأس جندي سوري بيده بعد ان قتلته جماعة "داش" وفصلت الرأس عن الجسد...!
من هنا يؤكد سماحته على أن قيم النهضة الحسينية تمثل "ضمانة من الانزلاق في مهاوي الانحراف الاخلاقي والديني والفكري". ربما يتصور البعض أن الحالة الوحشية والدموية التي يعيشها عناصر الجماعات الارهابية، مثل "داعش" وغيرها، إنما هي نتاج او إفراز سياسي او من صناعة أقبية المخابرات وغير ذلك، وإن صحّ هذا الاحتمال بعض الشيء، بيد أن الاساس في البناء الفكري والثقافي او "صناعة  العقلية" التي استقت مفاهيمها من ارضية بعيدة كل البعد عن القيم الانسانية والاخلاقية، بل تعبّر بوضوح عن عودة الى القيم الجاهلية، من قسوة وتطرّف وتعصّب، والاخطر من كل ذلك؛ التنكّر للحقائق الناصعة التي جاء بها الاسلام، ثم بثّ فيها الروح والاستمرارية، الامام الحسين، عليه السلام، تضحياته ومواقفه الخالدة.

الأحد، 19 أكتوبر 2014

محنة الحقوقيين في البحرين

محنة الحقوقيين في البحرين

  • عبدالنبي العكري
  • عبدالنبي العكري ... ناشط حقوقي
  • comments [at] alwasatnews.com

مع الاستفتاء على الميثاق في 14 - 15 فبراير/ شباط 2001، والخطوات الانفتاحية على المعارضة والمجتمع المدني، انفتحت أمام الحقوقيين البحرينيين بمن فيهم أولئك الذين كانوا صامدين على أرض الوطن طوال ثلاثة عقود من «أمن الدولة» أولئك الذين اضطروا للعيش في المنافي وحملوا معهم مهمة وهموم الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، فرصة تاريخية للعمل في إطار الشرعية وبشكل علني ودون خوف.
وهكذا جرى الترخيص للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان في 28 فبراير 2001، بعد أن ظلت تعمل لعام دون غطاء شرعي. كانت تشكيلة الهيئة الإدارية للجمعية تعكس طيف التركيبة للنخبة البحرينية الواعية ويجمعها الهمّ الحقوقي. وقد انضم الحقوقيون العائدون من المنافي (ومنهم أعضاء اللجنة البحرينية لحقوق الإنسان والمنظمة البحرينية لحقوق الإنسان وكلتاهما مسجلتان في الدنمارك) إلى عضوية الجمعية. بل إن لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين، قد عمدت إلى استبدال عضويتها في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بعضوية الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وعمدت لجنة تنسيقها إلى إيقاف عمل اللجنة وحث الأعضاء على الانخراط في الجمعية.
ولقد اكتسب العمل الحقوقي زخماً مهماً في ظل هامش معقول من الحريات، واندفاع الحقوقيين وضحايا المرحلة السابقة، والجمعيات السياسية والمجتمعية وعموم أبناء الشعب، لمعالجة ملفات متراكمة من الماضي تضم مروحة واسعة من القضايا ومنها المشاركة السياسية، ومشاركة المجتمع المدني، وتشكيل النظام السياسي والإصلاحات المطلوبة، ومعالجة تركة العهد الماضي سواء بفتح ملفات الانتهاكات، أو إنصاف الضحايا، في إطار ما يعرف بالعدالة الانتقالية ووضع حد للسياسات السابقة مثل الإفلات من العقاب، والتعذيب، والاعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة والنفي، والتمييز والتسريح القسري، وشهد المجتمع حراكاً لا سابق له في مختلف الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة، سواء بالتدريب والتأهيل على حقوق الإنسان، أو عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل، أو فتح الحوارات إلى جانب الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، فقد تشكل مركز البحرين لحقوق الإنسان في العام 2012 كما بادرت مجموعات مختلفة إلى تشكيل لجان، مثل لجنة ضحايا التعذيب، ولجنة أهالي الشهداء، ولجنة العائدين إلى الوطن، ولجنة عديمي الجنسية وغيرها، ورغم أنها غير مرخصة، إلا أن السلطة لم تتعرض لها، وتعاطت معها كأمر واقع وفي هذه الأجواء فقد كان هناك انفتاح وتعاون ما بين الجمعيات واللجان الحقوقية مع الوزارات والجهات الرسمية المعنية مثل العمل، والتنمية الاجتماعية والخارجية والداخلية، والعدل، بل إن هذه الجهات شاركت في ورش عمل لمنتسبيها مع الحقوقيين نظمتها الجمعية أو المركز بالتعاون مع منظمات عربية مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمعهد العربي لحقوق الإنسان، واللجنة العربية لحقوق الإنسان أو دولية مثل فريدوم هاوس، وهيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية والفيدرالية الدولية، وامتد ذلك إلى منظمات الأمم المتحدة مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويمكن اعتبار زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان ماري روبنسون البحرين في يناير/ كانون الثاني 2002، واجتماعها مع القيادة السياسية وكبار المسئولين وممثلي المنظمات الحقوقية البحرينية، علامة بارزة في هذا التوجه البناء.
شهد نهاية عام 2004، حل مركز البحرين لحقوق الإنسان وانتقال بعض قياداته إلى الصف الحكومي، وتخليهم عن رفاقهم في محنتهم بحل المركز واعتقال أهم قيادييه عبدالهادي الخواجة، إثر ندوة عن الفقر في نادي العروبة في سبتمبر/ أيلول 2004، واستنفار الصحافة، والمؤسسات الأهلية الموالية في حملة ضارية ضده، وضد المركز.
يمكن اعتبار العام 2005 عام التحول الملحوظ في توجهات الدولة لكن هذا التوجه من الدولة، تغير كما تغير تعاطيها مع القوى السياسية المعارضة، فمع مرور الزمن، عمدت الدولة إلى احتواء العمل الحقوقي المستقل ووضع الضوابط والقيود على عمل المنظمات والشخصيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام. وإذا كان قد جرى عدم تفصيل القوانين القديمة سابقاً، فقد بدئ بتفعيل القوانين التعسفية، ومنها قانون الجمعيات والأندية، وقانون التظاهر وقانون العقوبات.
وفي الجانب الآخر فقد جرى تفريغ العديد من المنظمات الأهلية ومنها الحقوقية ودعمها رسمياً في مواجهة المنظمات الحقوقية والمجتمعية المستقلة. وتراجع كثيراً التعاون الرسمي مع المنظمات الحقوقية المستقلة إلى ما يشبه القطيعة وعرقلة أعمالها.
شهد العام 2006 الكشف عن التقرير المثير للجدل والذي كان يجري العمل بتنفيذه وأحد أهدافه تجريم العمل الحقوقي المستقل وتسويغ انتهاكات حقوق الإنسان وقد أثبت مؤتمر العدالة الانتقالية الذي نظمته الجمعيات الحقوقية في 26 يونيو/ حزيران 2006 الموقف الرسمي بالإنكار الرسمي الحازم للعدالة الانتقالية.
انشغلت المعارضة بخوض انتخابات 2006 عما يجري على الأرض من تنفيذ حثيث للتقرير المثير للجدل، ورغم توعدها بطل التقرير بالاستجواب في البرلمان، إلا أن ذلك لم يتمخض عن أي نتيجة بسبب تركيبة البرلمان ومحدودية صلاحياته، وتسارعت وتيرة تنفيذ المخطط كما شهد عام 2006، إعداد وزارة التنمية الاجتماعية مشروع قانون منظمات المجتمع المدني، والالتفاف على المشروع البديل الذي اقترحته المنظمات المجتمعية المستقلة ومقترحات المركز الدولي للقانون غير الربحي (نيويورك)، الذي استعانت به الوزارة بدعم أميركي.
استمرت حالة المراوحة ولكن نحو الأسوأ حتى وصلنا إلى عام 2010، حيث بدأت الحملة فعلاً على المنظمات والشخصيات الحقوقية المستقلة، وذلك بزجها في قضايا مفتعلة مثل قضية الحجيرة، وأدى ذلك لاعتقال حقوقيين ومدونين إضافة إلى شخصيات معارضة معروفة. أضحى اعتيادياً قمع المحتجين بقسوة، وعودة ممارسات الماضي، وفيما عدا عملية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان بدءاً من يونيو 2008، والتي لم تتعدَّ عمليات شكلية مثل عقد ورش عمل وتدريب وندوات ومشاركة شكلية للمنظمات الحقوقية، فإن مجمل العملية كانت محاصرة العمل الحقوقي المستقل، وإبراز العمل الحقوقي الشكلي. لكن المحطة الفاصلة كانت في الحراك الذي انطلق في 14 فبراير 2011 حيث انطلقت طاقات هائلة من منظمات وجمعيات ولجان وشخصيات في إطار الحراك الجماهيري الواسع، وبعدها كانت هناك تحديات أخرى.
عبدالنبي العكري
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4425 - الأحد 19 أكتوبر 2014م الموافق 25 ذي الحجة 1435هـ

تقرير حركة جعفر الخابوري الا سلا ميه

 بريطانيا رفعت في نهاية آب/اغسطس مستوى التأهب الامني في البلاد الى درجة (الخطر)، وهي ما قبل الدرجة الخامسة والاخيرة وذلك لمواجهة التهديدات الارهابية المرتبطة بسوريا والعراق، وتعني هذا الدرجة (بالنسبة لبريطانيا على المستوى الامني)، ان وقوع هجوم ضدها هو امر "مرجح جدا" داخل اراضيها، وصرح رئيس وزراء بريطانيا، في وقت سابق، ان على بريطانيا ان تقاتل ما تسمى (الدولة الاسلامية/ داعش) في العراق، قبل ان تضطر الى مقاتلتها في شوارع بريطانيا، خصوصا وان التقارير الامنية البريطانية اشارت الى تنامي التعاطف ومحاولات الانضمام الى تنظيم داعش فيداخل البلاد، فيما قامت القوات الامنية باعتقال عدد من المشتبه بهم للقيام بأعمال ارهابية محتملة قد تستهدف عناصر من الجيش او الشرطة البريطانية، وضبطت في حوزتهم بعض المواد التي قد يستخدمونها في اعتدائهم المفترض.
وكان البرلمان البريطاني قد اجاز الحكومة بتنفيذ ضربات جوية تستهدف مواقع وعناصر التنظيم في العراق، من دون الاشارة الى اي دور لها في تنفيذ ضربات جوية او المشاركة بقوات برية في سوريا، وان اشارت بعض التقارير الى وجود تفاهمات امريكية-بريطانية حول دور مستقبلي اكبر لبريطانيا في سوريا، وكانت بريطانيا احدى الدول الاوربية التي شارك مواطنيها (بأعداد كبيرة فاقت التوقعات) في الانظام الى التنظيم الجهادي الاخطر في العالم، مما استدعاها لتغيير الكثير من خططها الامنية، اضافة الى سعيها لتعديل قوانين مكافحة الارهاب، لمجابهة خطر الهجمات المحتملة من قبل الخلايا النائمة، او من قبل الجهاديين البريطانيين المشاركين في القتال الدائر في سوريا والعراق، في حال قرروا العودة الى بريطانيا من دون ان تشعر بهم السلطات الامنية، لعدم وجود التنسيق الكافي في هذا المجال.
وتراقب القوات الامنية في بريطانيا العديد من بؤر التطرف المحتملة في مناطقها (سيما وان بريطانيا تضم العديد من الشخصيات الاسلامية والحركات الموصوفة بالتطرف والتي لجئت اليها هربا من الملاحقة القانونية في بلدانها)، للحد من اي اعتداءات محتملة، او تنظير او تجنيد لتنظيم الدولة الاسلامية الذي تقاتله في العراق، فيما يبقى هاجسها الامني الاخر نحو الشرق الاوسط الذي ما زال يتمدد فيه التنظيم بصورة غريبة من دون ان تتمكن الضربات الجوية للتحالف الدولي، او المقاتلين الذين يتصدون للتنظيم (بمختلف فصائلهم وانتماءاتهم) من كسر شوكة او اضعافه، بحسب ما يرى الكثير من المراقبين.  
ضربات جوية في سوريا
فقد قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إنه لا يتوقع طلبا وشيكا من الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين لأن توسع بريطانيا ضرباتها الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى سوريا، ووافق البرلمان البريطاني على ضربات جوية ضد التنظيم المتشدد في العراق بفارق حاسم لكنه أبعد ما يكون عن الاتفاق على موقف موحد بشأن الحاجة لتوسيع الضربات إلى سوريا، وقال هاموند الذي تحدث اثناء زيارة إلى منطقة كردستان العراق إنه لا يستبعد انضمام بريطانيا إلى الولايات المتحدة في ضرب أهداف للدولة الإسلامية في سوريا لكنه لا يتوقع أي طلبات مبكرة للقيام بذلك.
وقال "لا أتوقع طلبا وشيكا لذلك"، وأضاف "أفهم أن الولايات المتحدة راضية عن أن لديها قوة النيران التي تحتاجها في سوريا حاليا"، وتابع "بالطبع لا أحد منا يعرف كيف ستتطور الحملة لكن في الوقت الحالي أعتقد ان الترتيب الآن حيث نركز على أهداف في العراق وتركز الولايات المتحدة والشركاء الخليجيون على سوريا يعمل بصورة جيدة"، وبدأت الولايات المتحدة وخمس دول عربية قصف مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وتنفذ الولايات المتحدة ضربات في العراق منذ اوائل اغسطس آب، واستولى التنظيم المتشدد على مساحات واسعة من سوريا والعراق وهو متهم بتنفيذ مذابح وقطع رؤوس مدنيين وجنود، وفشلت الضربات الجوية حتى الآن في منع توسع المقاتلين المتشددين الى اراض جديدة.
لكن هاموند قال إنه لا بد من وجود مهمة عسكرية واضحة لا يمكن ان تقوم بها قوات التحالف الحالي التي تعمل في سوريا قبل ان تنظر بريطانيا في ضرب تنظيم الدولة الإسلامية هناك، وأوقفت الضربات الجوية تقدم الدولة الإسلامية في شمال العراق لكنها لم تمنع التنظيم من كسب أراض في أماكن أخرى بما في ذلك على امتداد الحدود بين سوريا وتركيا حيث يقاتل التنظيم الأكراد للسيطرة على مدينة كوباني، وبعد اجتماع مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني قال هاموند للصحفيين في مؤتمر صحفي إن الوضع في كوباني مصدر "قلق بالغ" لكنه بدد الآمال في أن تبذل جهود دولية سريعة لحماية المدينة من الدولة الإسلامية، وقال "كنا دائما على بينة من ان التحالف والدعم الذي يمكن ان يقدمه هو مشروع استراتيجي طويل الاجل"، وأضاف "انها ليست الحالة التي يمكننا فيها حشد الموارد التي يطالب الناس في كوباني بحشدها على الفور للرد على الأزمة الحالية". بحسب رويترز.
ورفض البرلمان البريطاني العام الماضي الموافقة على تنفيذ ضربات جوية ضد سوريا بسبب عدم احرازها لتقدم في ازالة اسلحتها الكيماوية ويقول حزب العمال المعارض إن اي تحرك من هذا القبيل الآن سيحتاج إلى قرار من الأمم المتحدة بشأن سوريا، وجاءت ست طائرات تورنادو من قاعدة سلاح الجو البريطاني في مارهام في انجلترا لتتمركز في قبرص منذ اغسطس آب وتنفذ ضربات عديدة فوق العراق منذ ذلك الحين، ويوجد جنود بريطانيون في العراق حيث يدربون قوات البشمركة الكردية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، وتقدم بريطانيا امدادات من البنادق الآلية لكن الأكراد يقولون إنهم يحتاج أسلحة ثقيلة مثل الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية، ولدى سؤاله عن تلك الأسلحة الثقيلة قال هاموند "علينا ان نفهم الحاجة وعلينا حينئذ ان نعمل سويا كتحالف لنقرر ما نعتقد انه ملائم لنا لتوريده وما أفضل الطرق لتوريده وما أفضل الطرق لتسليمه"، وفي المؤتمر الصحفي استبعد هاموند مرة أخرى ارسال قوات بريطانية إلى القتال في العراق.
مراقبة المتطرفين
الى ذلك قال عمدة لندن بوريس جونسون ان اجهزة الامن البريطانية تراقب "آلاف" الاشخاص في العاصمة موضحا ان "ثلث" البريطانيين ال 500 الذين ذهبوا للقتال مع تنظيمات اسلامية متطرفة في سوريا والعراق، هم من لندن، واوضح جونسون في مقابلة مع صحيفة ديلي تلغراف "كل يوم تقوم اجهزة الامن بآلاف العمليات، هناك على الارجح بضعة آلاف من الاشخاص الذين نراقبهم في لندن"، واضاف "في لندن نحن يقظون جدا وقلقون جدا جدا"، وتأتي تصريحات عمدة لندن في الوقت الذي تواصل فيه شرطة سكوتلندريار استجواب خمسة رجال تم توقيفهم في العاصمة بشبهة التخطيط لعمل ارهابي.
وتقدر السلطات ب 500 عدد البريطانيين الذين ذهبوا الى سوريا والعراق للقتال مع تنظيمات اسلامية متطرفة وهي قلقة من عودة بعضهم الى بريطانيا لارتكاب اعتداءات، وتابع جونسون "نعتقد ان ثلثهم ربما نصفهم يتحدر من منطقة لندن"، ورفعت بريطانيا في نهاية آب/اغسطس من "اساسي" الى "خطر" مستوى الانذار الامني مبررة هذه التعبئة بالتهديد الارهابي الذي يشكله مئات البريطانيين الذين زادت خبراتهم القتالية في العراق وسوريا، وقال جهاز الاستخبارات ان الخطر يأتي اساسا من تنظيم "الدولة الاسلامية"، وحذر مسؤول مكافحة الارهاب في سكوتلنديار مارك رويلي رجال الشرطة من انهم يشكلون اهدافا محتملة للإرهابيين، وقال "تم رفع مستوى التحذير الخاص بالشرطيين والموظفين الاداريين لكننا معتادون على مواجهة التهديدات والمخاطر، هذا ما نفعله يوميا ونحن مستعدون جيدا لذلك". بحسب فرانس برس.
ووعد وزراء بسلسلة من الاجراءات تستهدف الشبان البريطانيين الذين يسافرون الى سوريا والعراق من ضمنها توقيفهم في المطارات ومنعهم من السفر واجراءات مشددة لتقييد حركتهم، وقالت تيريزا ماي وزيرة الامن الداخلي امام مؤتمر حزب المحافظين "علينا القيام بكل ما نستطيع لدحر هذه الايديولوجيا ومنع تشدد الشبان البريطانيين المسلمين"، وقطعت الدولة الاسلامية رؤوس بريطانيين اثنين منذ ايلول/سبتمبر للضغط على السلطات البريطانية، وارسلت بريطانيا ثماني طائرات لتنضم الى حملة الغارات الجوية على مواقع "الدولة الاسلامية" في العراق، لكنها لا تشارك في الغارات في سوريا.
وقالت الشرطة البريطانية إنها اعتقلت ثلاثة رجال وثلاث نساء في إطار عملية لمكافحة الارهاب ذات صلة بالحرب الاهلية في سوريا، واحتجز ضباط مكافحة الارهاب المشتبه بهم في لندن وبورتسموث على الساحل الجنوبي لانجلترا وفي فارنبورو غربي العاصمة البريطانية، واحتجزت المجموعة التي تتراوح أعمار أفرادها بين 23 و57 عاما للاشتباه في تورطها في مجموعة من الجرائم ذات الصلة بالإرهاب، وقالت وحدة مكافحة الارهاب الجنوبية الشرقية في بيان "يود الضباط طمأنة السكان على ان انشطة الشرطة لها صلة بصراعات في الخارج وغير متعلقة باي خطر وشيك على المجتمعات المحلية او اي مناطق اخرى في المملكة المتحدة".
وفي أغسطس آب رفعت بريطانيا مستوى التهديد إلى "شديد" وهو ثاني أعلى مستوى مما يعني أن هناك هجوما مرجحا بدرجة عالية، وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية يمثلون خطرا أمنيا جسيما على بريطانيا، واعتقلت شرطة لندن ثلاثة رجال في اطار ما قالت انه تحقيقات متواصلة بشأن "الارهاب الاسلامي"، وتبلغ أعمار الثلاثة 21 و24 و25 واعتقلوا في وسط لندن للاشتباه فى ارتباطهم بارتكاب أعمال إرهابية أو الإعداد لها أو التحريض عليها، وألقت الشرطة القبض على خمسة رجال في حملات شاركت فيها الشرطة المسلحة، وقال مصدر أمني أوروبي مطلع إن المحققين يعتقدون أنهم أحبطوا مؤامرة في مراحلها الأولى لمهاجمة أهداف في بريطانيا، وظل ثلاثة منهم رهن الاحتجاز وأفرج عن اثنين.
ذبح عامل الإغاثة
من ناحيتها انضمت المنظمات والجمعيات الإسلامية في جميع أنحاء بريطانيا إلى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في استنكار ذبح عامل الإغاثة البريطاني آلن هيننج على يد مقاتلي الدولة الإسلامية الذي وصفه أحد رجال الدين المسلمين البارزين بأنه عمل "خسيس وشائن"، وأقيمت الصلاة على روح هيننج 46 عاما (وهو سائق سيارة أجرة من سالفورد بشمال إنجلترا) في المساجد في أنحاء البلاد مع بداية الاحتفال بعيد الأضحى، ووصف كاميرون هيننج بأنه رجل دمث وعطوف لم يفعل سوى أنه حاول مساعدة الآخرين، وقال ان الحكومة البريطانية ستبذل كل ما بوسعها للقضاء على قتلته.
وقال كاميرون في رسالة بثت بعد الاجتماع بقادة القوات المسلحة البريطانية ووكالات الاستخبارات في مقره الريفي "سنستخدم كل الموارد المتاحة لدينا، لهزيمة هذا التنظيم الذي تتسم طريقة تعامله مع الناس بالشراسة وعدم الرحمة والوحشية"، أسر هيننج في سوريا لتسعة اشهر قبل أن ينشر تسجيلا مصورا على موقع يوتيوب يظهر فيه راكعا امام رجل ملثم مسلح بسكين في مكان صحراوي، وتحدث الرجل الملثم لفترة وجيزة بلكنة جنوب بريطانيا عينها التي استخدمها قاتل الرهائن السابقين الذي بات يعرف بالجهادي جون، وهيننج هو الرهينة الرابع الذي تذبحه الدولة الإسلامية التي تتعرض لغارات جوية تشنها مقاتلات من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول عربية منذ استيلائها على مساحات من العراق وسوريا.
وكانت قضيته قد أثارت موجة من المناشدات لإطلاق سراحه من قادة المسلمين في بريطانيا الذين أعرب عدد منهم عن صدمتهم لمقتله، وكتب شجاع شافي الأمين العام لمجلس مسلمي بريطانيا على حسابه على تويتر للتواصل الاجتماعي قائلا "يحزنني ما تردد من أنباء عن قتل آلن هيننج، انه عمل خسيس وشائن، لقد ساعد المسلمين، اعبر عن تعاطفي وصلواتي من أجل عائلته"، ووصفت جمعية تطلق على نفسها اسم مسلمو شمال انجلترا هيننج بأنه "بطل قومي" وقال محمد شفيق وهو المدير التنفيذي لمؤسسة رمضان التي تساعد الشبان البريطانيين المسلمين "هذا القتل الوحشي هو عدوان على كل الناس المحترمين في انحاء العالم"، وكان هيننج أحد أفراد قافلة إغاثة تنقل معدات طبية لمستشفى في شمال غرب سوريا في ديسمبر كانون الأول العام الماضي عندما أوقف مسلحون القافلة وخطفوه. بحسب رويترز.
وتصاعدت المخاوف على سلامته منذ اتخاذ البرلمان البريطاني قرارا يفوض الحكومة تنفيذ غارات جوية على أهداف للدولة الإسلامية في العراق، وفي التسجيل المصور على يوتيوب يبدو هيننج وهو يقرأ من نص مكتوب قبل ان يقتل جاء فيه "بسبب قرار برلماننا مهاجمة الدولة الإسلامية سأدفع أنا بصفتي أحد أفراد الشعب البريطاني ثمن ذلك القرار"، وواجه القادة المسلمون في بريطانيا في السابق انتقادات لما اعتبره عدد من منتقديهم عجزا عن المواجهه العلنية لما سماه كاميرون "الفكر المسموم" للمتطرفين الإسلاميين، لكن قضية هيننج الذي اخذ عطلة من دون مرتب من عمله وترك وراءه زوجة وولدين مراهقين لمساعدة المسلمين على تسليم مواد الإغاثة إلى الأطفال في سوريا لاقت ردا موحدا.
ونددت رسالة موقعة من أكثر من 100 من الأئمة والزعماء المسلمين البريطانيين بالدولة الاسلامية، وجاء في الرسالة ان "التهديدات الخسيسة الموجهة للسيد هيننج من قبل من يطلقون على انفسهم اسم مسلمين ليس لها ما يبررها في القرآن والسنة"، وأضافوا في رسالتهم إن "المتعصبين غير الإسلاميين لا يتصرفون كمسلمين بل مثلما قال رئيس الوزراء إنهم يتصرفون كوحوش، أنهم يرتكبون أسوأ جرائم بحق الإنسانية، هذا ليس جهادا، هذه حرب على الإنسانية جمعاء"، وفي وقت لاحق أصدرت زوجة هيننج باربرا وولداه بيانا قالوا فيه إنهم فجعوا لفقد رجل كان يعمل من أجل رفاهية الآخرين، وقال البيان "لهذا سيتذكره (الجميع) ونحن كأسرة فخورون للغاية به وبما حققه".
ووجه بول كانتلي والد بريطاني آخر يحتجزه مقاتلو الدولة الإسلامية هو الصحفي جون كانتلي نداء من أجل الإفراج عن ابنه، وقال كاميرون إن الدولة الاسلامية لم تأبه لكل المناشدات للإبقاء على حياة هيننج وأشاد برغبته في مساعدة الآخرين، وأضاف "لقد ذهب مع الكثير من اصدقائه المسلمين ليفعل ما هو ببساطة اكثر من مساعدة الآخرين، ان اصدقاءه المسلمين سيكونون في حداد عليه في هذه اللحظات الفريدة التي يحتفلون فيها بالعيد"، وأصدر مكتبه في وقت لاحق بيانا يقول إن كاميرون أثار مسألة تسجيل فيديو ثان، وقال البيان "تقوم الشرطة على وجه السرعة بفحص محتويات الفيديو ومن ذلك جرائم الإرهاب المحتملة المتصلة به".
قيود على الحريات المدنية
فيما اقترحت وزيرة الداخلية البريطانية تيريسا ماي فرض اجراءات جديدة لحظر الجماعات المتطرفة والحد من نشاطات الدعاة الاسلاميين المتطرفين حتى في حال عدم ارتكابهم اية جريمة، في خطوة وصفها ناشطون حقوقيون بانها "خاطئة تماما"، وصرحت الوزيرة امام المؤتمر السنوي لحزب المحافظين في برمنغهام "ليس كل تطرف يقود الى العنف، وليس كل المتطرفين عنيفين، ولكن الضرر الذي يتسبب به التطرف لمجتمعنا هو سبب يكفي لدفعنا للتحرك"، واضافت وسط تصفيق حاد "علينا ان نواجه التطرف بكل اشكاله، علينا ان ندافع عن مبادئنا"، وقام مسؤولون من الحزب باطلاع الصحافيين على الاقتراحات التي سيتم تطبيقها اذا فاز المحافظون في الانتخابات العامة في 2015، وقالت "اريد ان ارى سلطات مدنية جديدة تستهدف المتطرفين الذين يظلون في اطار القانون".
وذكر الاعلام ان "اوامر عرقلة التطرف" تتيح للمحاكم البريطانية الحد من نشاطات الافراد بهدف منع التهديد بالعنف وزعزعة النظام العام، وقالت ان القانون سيحظر على المتطرفين التحدث في الفعاليات العامة، والمشاركة في احتجاجات او التحدث من خلال الاعلام- وهو الاقتراح الذين يرجح ان يثير الجدل، ويذكر بحظر البي بي سي للزعيم الجمهوري الايرلندي جيري ادامز زعيم جماعة الشين فين، كما يمكن ان يصدر امر يجبرهم على تقديم اي مادة للشرطة للموافقة عليها قبل ان يتم وضعها على الانترنت، وتسمح "أوامر الحظر" بحظر جماعات حتى لم تكن تشكل تهديدا ارهابيا، واعتبرت انها تشكل تهديدا على مختلف المبادئ البريطانية ومن بينها الديموقراطية، وبالتالي فان الانتماء الى مثل هذه الجماعات يعتبر عملا اجراميا. بحسب فرانس برس.
وقالت ايما كار مديرة مركز "بيغ بروذر ووتش" للحريات المدنية "في بلد ديموقراطي، من الخطأ التام وصف الناس بالمتطرفين وتعريضهم لقيود كبيرة على الحرية دون تطبيق الاجراءات القانونية اللازمة من خلال نظام شفاف وخاضع للمساءلة"، واضافت ان "على وزيرة الداخلية ان تفكر جيدا جدا بالسابقة الدولية التي ترسيها هذه السياسة وتفكر في التبعات المحتملة على عامة الناس"، وصرح مسؤولون ان هذه الاجراءات التي سيتم ادراجها في بيان الحزب، لن تستهدف فقط المتطرفين الاسلاميين بل ستستخدم كذلك ضد النازيين الجدد وغيرهم من الجماعات المتطرفة، واعتقلت الشرطة البريطانية الداعية انجم شودري اضافة الى اخرين للاشتباه بعلاقاتهم بتنظيم متطرف، وصرح شودري، الذي افرج عنه بكفالة، ان اعتقاله كان "مسيسا"، وزعم انه ارتبط بالتحضيرات للتصويت في البرلمان البريطاني حول المشاركة في الضربات الجوية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في العراق.

الأحد، 24 أغسطس 2014

تقرير حركة جعفر الخابوري الا سلا ميه

كان الهدف على الدوام أن يكون سد الموصل رمزا لطموح كبير لدى العراق يخرج به من دوامة الفقر والتخلف، لكن السد الذي بلغت تكاليفه 1.5 مليار دولار ويقع شمالي المدينة لازمته من البداية مشاكل هندسية كبيرة والان ازداد الوضع سوءا بعد أن أصبح محور معركة بين مقاتلي الدولة الاسلامية من جانب والولايات المتحدة والقوات العراقية من جانب آخر، ورغم العيوب الهيكلية يعد السد مصدرا حيويا للمياه والكهرباء لمدينة الموصل أكبر مدن الشمال العراقي التي يعيش فيها 1.7 مليون نسمة.
ويعتبر سد الموصل أكبر سدود العراق إذ يبلغ طوله 3.6 كيلومتر وتولت بناؤه مجموعة شركات ألمانية ايطالية في الثمانينات، فمن يسيطر على السد يتحكم في "مفاتيح" المدينة. وإدراكا لذلك انتزع مقاتلو الدولة الاسلامية - الذين استولوا على مساحات كبيرة من أراضي العراق وسوريا وأعلنوا قيام دولة الخلافة - السيطرة على السد من القوات العراقية في الأسابيع الأخيرة، وتزايدت المخاوف من أن يلحق الجهاديون الضرر بالسد الذي يمكنه حجز أكثر من 11 مليار متر مكعب من المياه.
وفي حين أن القوات العراقية والكردية استعادت السيطرة على السد بمساعدة الضربات الجوية الامريكية فما زال احتمال الكارثة يخيم على السد الذي وصفه تقرير لسلاح المهندسين الامريكي بأنه "أخطر سد في العالم".
ويصور أسوأ السيناريوهات انهيارا كاملا للسد يمكن أن يطلق موجة عملاقة تغرق الموصل في مياه يتراوح ارتفاعها بين 25 و30 مترا وتقتل ما يصل إلى نصف مليون شخص. وربما يصل ارتفاع المياه في بغداد إلى خمسة أمتار.
وسيضع ذلك السد في مرتبة واحدة مع فيضان النهر الأصفر عام 1938 عندما فتح شيانغ كاي شيك السد لوقف تقدم اليابان في الصين في حادث قيل أنه أسفر عن مقتل ما بين 500 ألف و900 ألف شخص، ولم يتصور المهندسون الذين عملوا في مشروع السد أنه قد يصبح محور معركة بعد 30 عاما لكن المشاكل البنيوية ظلت قائمة طوال هذه الفترة.
فقد بني السد على أسس جيوليوجية خاطئة على مسافة تتراوح بين 45 و50 كيلومترا شمالي الموصل من بينها الجبس أو الجص وهو مادة رخوة ليست بالصلابة الكافية لتحمل ثقل السد، وقال شخص عمل مع شركة هوكتيف الألمانية التي قادت عملية بناء السد في الثمانينات "داخل هوكتيف كان السد يعتبر أسوأ ما بنته المجموعة على الاطلاق"، وأضاف هذا الشخص لرويترز في فرانكفورت طالبا عدم نشر اسمه "من الناحية الجيولوجية لا يعتبر الجص مادة صخرية. فهو مادة رسوبية ناعمة كالزبد. وبتعبير فيزيائي هو سائل لزج. التربة كلها تشبه الجبن السويسري"، وللتغلب على هذه المشكلة وضمان عدم انهيار السد يتعين حقنه على مدار الساعة في عملية يتم فيها ملء الفراغات التي تظهر في أساساته بالخرسانة.
ويقول ريتشارد كوفمان استاذ الهندسة المدنية المساعد بجامعة أركنسو الذي أجرى أبحاثا موسعة على السد إن الحقن يتم في العادة ستة أيام في الاسبوع على مدار 24 ساعة، ويضيف "إذا توقف برنامج الحقن اسبوعين فسنبدأ في مشاهدة المزيد من التفسخ في القاعدة الصخرية... ومن المحتمل أن يؤدي ذلك لاضعاف السد تماما وقد تنطلق المياه من الخزان"، وأضاف المياه قد تصل إلى الموصل في ثلاث ساعات ونصف الساعة.
وقال مهندس إنشاءات يعمل بفريق الحقن إن عملية الحقن توقفت قبل ثلاثة أيام وإنه غادر السد خوفا على حياته، وأضاف "بالقطع يحتاج السد لحقن شبه يومي لضمان بقاء الأساسات سليمة ومستقرة"، وتابع أن قوات الأمن حثت المهندسين على استئناف الحقن لكنهم رفضوا إلا إذا "تحسن الوضع وأصبحت سلامتنا مضمونة تماما".
ضغط المياه
وقال المهندس إن الأسمنت الذي يستخدمونه من نوع رديء وإن "مرور أسبوع آخر دون أعمال حقن سيعرض السد للخطر ويدفعه للانهيار تحت ضغط المياه"، وبعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003 زار مهندسو الجيش الامريكي الموقع لتقديم توصيات بشأن تحسين السد. وحفر المهندسون آلاف الفتحات وضخوا فيها خرسانة تحت ضغط لملء الشروخ.
وقال حسن الريزو ممثل العراق لدى الجمعية الدولية لعلوم المياه إن الضرر لن يكون ضرر الفيضان فحسب. بل إن العراق سيفقد أيضا احتياطياته الاستراتيجية من المياه اللازمة للري وتوليد الكهرباء، ورغم أن السد أصبح هذه الأيام ساحة لقتال عنيف فقد كانت المنطقة المحيطة بموقعه مقرا لالاف العمال الأجانب في ذروة أعمال البناء.
وأقيمت في الموقع بيوت فاخرة وأحواض للسباحة وملاعب للاسكواش وكرة القدم. وقال مهندس اسكتلندي عمل في المشروع بين عامي 1983 و1988 "كان لديك الكثير لتفعله عندما تأخذ يوم الراحة. كنا نلعب كرة القدم مع فريق جامعة الموصل"، وقال المهندس الذي يعيش في دبي لرويترز "لم يكن ينقصنا شيء فعلا. فقد كان كل شيء يجلب لنا من أوروبا" وأضاف أن صدام حسين زار المشروع.
ايطاليا الصغيرة
بل إن جوسيبي كاتاني الذي عمل مديرا ماليا لواحدة من الشركات العاملة في المشروع قال إن موقع بناء السد كان مدينة صغيرة. وأضاف "بل إن الناس من مناطق مختلفة كانوا يسمون أحياءهم (ايطاليا الصغيرة) و(باريس الصغيرة)"، وتابع "بالنسبة للعراقيين كان امتلاكهم واحدا من أكبر السدود في العالم مدعاة للفخر حقا"، وقد انقضت هذه الأيام بأحداثها منذ مدة طويلة، وقال اللواء هالجورد حكمت المتحدث باسم قوات البشمركة الكردية إن المتشددين زرعوا ألغاما ومتفجرات داخل السد، وأضاف "سنحميه. لدينا أسلحة متقدمة وثقيلة وهي الان رابضة على السد وقواتنا الخاصة هناك"، لكن الكلام عن حماية السد أسهل من الفعل نظرا لحجمه وموقعه، وقد رافق المستشار الأمني جون هوليس مهندسي الجيش الامريكي ومسؤولين حكوميين من الأكراد والعراقيين في زيارة السد أكثر من عشر مرات بين عامي 2004 و2006 لاجراء عمليات لتثبيته، وفي مرات كثيرة تعرضت قافلتهم لكمائن من قنابل مزروعة على جانبي الطريق إلى نيران الاسلحة الصغيرة من جانب مقاتلي القاعدة.
وقال هوليس لرويترز في دبي "إنها مساحة كبيرة للغاية وهي منطقة تأمينها في غاية الصعوبة بسبب طبيعة تكوينها الجغرافي"، وأضاف أن مقاتلي الدولة الاسلامية استطاعوا اجتياح المنطقة بسهولة لانها لم تكن تتمتع بالحماية الملائمة موضحا أن من الضروري وجود وحدة عسكرية كبيرة ودائمة مع مراقبة جوية لضمان أمن المنطقة، وقال "يمكنك أن تتوقع حدوث الشيء نفسه مرة أخرى... فعندما يعتقدون أن الوقت مناسب للهجوم سيهاجمون مرة أخرى".

الأربعاء، 20 أغسطس 2014

بقلم جعفر الخابوري


بعيونه كان يرقبهم حتى آخر لحظةٍ، ينظر لهم وهم يختبئون في موقعهم... صوّب عينيه نحوهم وهم صوّبوا مدفعهم نحوه... أطلقوا الرصاصة نحو عنقه فارتقى لله... وسقطوا بغدرهم وجبنهم... إنّه القائد القساميّ سعيد عيسى صيام، الذي ترجّل أخيراً عن صهوة جواده.

المولد والنشأة:
وُلِد الشهيد سعيد عيسى صيام (32عاماً)، بمخيّم خانيونس الغربي في 26/1/1974م، بعد أنْ هُجِّرت عائلته المتديّنة الصابرة من بلدة "الجورة" داخل الأراضي المحتلة عام 48.. له ستة أشقاء، وأربع شقيقات، متزوّج وله أربعة أبناء: أنس، هديل، هبة، وأسماء، وزوجته حامل في شهرها الأول.
انتمى صيام إلى حركة حماس منذ تأسيسها وانطلاقتها الأولى في العام 1987، وعمِلَ ضمن صفوف الحركة في جهاز الأحداث، اعتقله الجيش الصهيوني على خلفيّتها في 7/12/1991 وقضى خلالها أربعة أشهر في سجن النقب "كتسعوت"، وخرج بعدها ليلتحق مباشرة بجهاز الطوارئ التابع للحركة.

اعتقاله:
واعتقل الصهاينة الشهيد صيام للمرة الثانية في 1/3/1993 وحُكِم عليه بالسجن لمدة ستة أعوام لم يقضِ منها سوى عشرين شهراً وتمّ الإفراج عنه أواخر العام 94 مع جملة إفراجاتٍ عامّة لمئات الأسرى، وخلال هذه الفترة كان قد بايع حركة الإخوان المسلمين، وظلّ مخلِصاً لعمله في مجال الدعوة حتى أصبح نقيباً في جماعة الإخوان المسلمين.
عمل على تربية وتوعية العشرات من جيل الإسلام الناشئ، وصمّم المجاهد صيام على مواصلة عمله الجهاديّ وتطوير ذاته العسكرية بعد أنْ التحق بمجموعات كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى جانب أنّه يعمل ضمن قوات الأمن الفلسطينيّ، وعمل على تطوير قذائف الهاون وتصنيعها، رغم تعرّضه لثلاث إصاباتٍ متفاوتة أثناء عمليات التصنيع والتطوير المختلفة، حيث كان يتميّز شهيدنا بمهنيّته العالية وحِرَفِه المتعدّدة في مجالاتٍ عدة، بالإضافة إلى هوايته في تربية الطيور والعصافير.

أول من قصف بالهاون..
وكان "أبو أنس" أوّل من قام بقصف المستوطنات بقذائف الهاون هو والشهيد حافظ صبح، واعتُبِر قائداً ميدانياً لمعظم المجموعات القسامية في منطقة حي "الأمل" التي شكّلها وقادها أثناء عمليات الاجتياح والتوغّلات المتكرّرة، وكان مسؤولاً عن عملياتٍ متعدّدة من زرع وتفجير عبوات وقصف للهاون وصواريخ القسام وتجهيز استشهاديين، بالإضافة إلى أنّه كان يُشرِف على معسكرين لتدريب وتأهيل المجاهدين الذي التحقوا في صفوف الكتائب، الأمر الذي جعله يوصَف "برجل جميع المهمّات".
عجز الجيش الصهيوني عن معرفة العقلية التي تغلبت على أمنه وحصونه في مستوطنة "بات سديه" في شهر رمضان قبل عامين، وذلك عندما استطاع الاستشهاديّ إسماعيل بريص من تنفيذ عمليةٍ نوعية قُتِل خلالها جنديان صهيونيّان وأصيب ثلاثة آخرون حسب اعتراف العدو بالخسائر والعقلية الفذّة التي تغلّبت على أمنه الواسع، كما أنّه قام بتشكيل وحدة الرصد والإسناد لعمليّة الاستشهاديّ مهند اللحام الذي اقتحم مستوطنة "جاني طال" وجندل الصهاينة فيها.

إشرافٌ أمنيّ:
أشرف الشهيد صيام أمنياً على عملية حفر النفق تحت موقع محفوظة "أورحان"، وكان ضمن الوحدة التي قامت بعملية التفجير التي دمّرت الموقع بالكامل. تعرّض الشهيد صيام إلى محاولة اغتيالٍ فاشلةٍ قبل عدّة أشهر من قِبَل طائرات الاستطلاع الصهيونية في منطقة "عبسان" الكبيرة هو واثنين من رفاقه عندما أخطأت الطائرة هدفها في المرة الأولى، وبدا حينها التصميم على اغتياله حيث استُدعِيَت طائرةٌ أخرى تعزيزيّة لمطاردته ومتابعته في منطقةٍ خالية وإطلاق صاروخٍ ثانٍ وثالثٍ عليه إلا أنّ عناية الله حالت دون إصابته، واستطاع بفضل الله تضليلها والتمويه بلباسٍ متخفٍّ والخروج من المنطقة.

الرجل الهادئ:
لم يكنْ الشهيد "أبو انس" يحبّ عرَضَ هذه الدنيا وزيفها، كان يسعى لنيل الدرجة العالية في الفردوس الأعلى، فكان يبحث عن الطريقة السريعة لنيل الشهادة والفوز بالجنة، فعرض على إخوانه في قيادة كتائب القسام أنْ يجهّز نفسه لتنفيذ عمليةٍ استشهادية، وأنْ يكون نصيبه كباقي الاستشهاديين الذين جهّزهم، ولكنّهم رفضوا عرضه ذلك وتصميمه القويّ، معلّلين ذلك بأنّهم يحتاجونه إلى مهمّاته الكبيرة الموكَلة إليه في القيادة والتصنيع والتدريب، وكيف لا وهو "رجل جميع المهمّات".
وصفه أصدقاؤه وجيرانه بالرجل الهادئ الرزين الذي لا يصُدّ أحداً في تقديم الخدمة والمساعدة في أصعب وأحلك الظروف، فلم يكنْ يلهيه العمل العسكريّ الكبير عن التواصل الاجتماعي مع أسرته وأصدقائه وجيرانه الذين أحبّوه كثيراً، وعندما كانوا يفتقدونه يعرفون أنّه في مهمّةٍ جهادية ومنشغلٌ عنهم لفترة انقضائها فقط، رغم أنّه كان سرّياً للغاية ولا يصرّح عند سؤاله عن عمله الجهاديّ بأيّ شيء.
يقول صديقه الصحافي أيمن سلامة: "لم أكنْ أتوقّع أنّني في يومٍ من الأيام سأفقد صديق عمري الذي لازمني أكثر من عشرين عاماً، لم أجدْ ما يُنفّرني منه، فقد كان جامعاً لكافّة الصفات الحسنة التي يفتقدها الكثير من الشباب هذه الأيام، وفياً لأصحابه جميعاً، صريحاً في معاملاته، حنوناً على أبنائه، حيث إنّنا كنّا نميّزه في المسجد بمنديل إحدى بناته اللاتي كان يصطحبهن معه للصلاة حتى يربّيهن التربية الإسلامية الصحيحة".
ويذكر أيمن أحد مواقف الفداء للشهيد وذلك عندما تعرّض لحادثٍ مفاجئٍ أدّى إلى انقلاب دراجته التي كان يركبها هو وابنته "هبة"، وبسرعة البرق الخاطف قفز من فوق الدراجة على الأرض كي يتلقّف "هبة" قبل أنْ تقع وتسقط على الأرض، أدّى ذلك إلى إصابته إصابةً بالغة شوّه على إثرها وجهه وخُيِّطَ بـ13 غرزة.
ويضيف زوج أخته أسامة السباخي أنّه كان حريصاً على العمل التطوعيّ وإيثار الناس، ومحافظاً بشكلٍ كبيرٍ على عيادة رحمه وأقاربه، حيث شرح ظروف استشهاد "أبو أنس" قائلاً إنّه: "لم يبِتْ ليلته في البيت تحسّباً للاجتياح ومباغتة العدو، وجاء في صبيحة اليوم الثاني ليأخذ ابنه "أنس" إلى الشارع كي يعرّضه لأشعة الشمس عملاً باستشارة الأطباء حيث إنّ ابنه يعاني من مرض الكساح، وكان حينها ينوي شراء بعض الحاجيات لبناته الأخريات، ولم نعلم أنّ آخر عهد الشهيد في هذه الدنيا أنْ يحضن أبناءه الذين فقدوه ويسألون أمّهم في كلّ ساعة (لماذا تأخّر أبونا يا أمّي؟)".
ويضيف: "كان موعده مع الشهادة فعلاً عندما أطلق القنّاص الحاقد النار عليه من الموقع العسكري الصهيوني المقابل لمنزله، والذي طالما كان يرصده لساعة الوداع الأخير صبيحة يوم الأحد الموافق 17/7/2005م".

فقدان الرجل الجسور..
كان وقع الخبر على جميع من عرفه ليس مفاجئاً بقدر ما كان حزيناً على فراق ذلك الرجل الجسور، والعقل المدبّر للعمليات النوعية، وافتقادٍ لبطولة القائد الذي كان يتصدّى للعدو ودباباته.
بكاه أصدقاؤه وجيرانه، ولكن الدموع سرعان ما أصبحت دموع فرحٍ عندما رأوا ابتسامته وهو مسجّى وكأنّه فرحٌ بما نال وباختيار الله له، وكذلك عندما أثبت رجال القسام بصواريخهم وقذائفهم الانتقامية لدمائه التي صبّت غضباً على المستوطنات وإرهابيّيها المستوطنين الذين اعترفوا بالخسائر الفادحة والإصابات الخطيرة في صفوف جنودهم، حينها علِمَ الجميع أنّ القائد أثمر زرعه وتدريبه وخلف من بعده رجالاً أوفياء يحملون الأمانة ويسيرون على نفس الدرب الذي استشهد من أجله شهيدنا "أبو أنس".